سورة الأنفال - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأنفال)


        


قوله تعالى: {إذا لقيتم الذين كفروا زحفاً} الزحف: جماعة يزحفون إلى عدوهم؛ قاله الليث. والتزاحف: التداني والتقارب، قال الأعشى:
لِمَنِ الظَّعَائِنُ سَيْرُهُنَّ تَزَحُّف ***
قال الزجاج: ومعنى الكلام: إذا واقفتموهم للقتال فلا تُدبروا {ومن يولِّهم} يوم حربهم {دبره} إلا أن يتحرف ليقاتل، أو يتحيز إلى فئة، ف {متحرِّفاً} و{متحيِّزاً} منصوبان على الحال. ويجوز أن يكون نصبهما على الاستثناء؛ فيكون المعنى: إلا رجلاً متحرفاً أو متحيزاً. وأصل متحيز: مُتْحَيْوِز؛ فأدغمت الياء في الواو.
قوله تعالى: {ومأواه جهنم} أي: مرجعه إليها؛ ولا يدل ذلك على التخليد.
فصل:
اختلف العلماء في حكم هذه الآية، فقال قوم: هذه خاصة في أهل بدر، وهو مروي عن ابن عباس، وأبي سعيد الخدري، والحسن، وابن جبير، وقتادة، والضحاك. وقال آخرون: هي على عمومها في كل منهزم؛ وهذا مروي عن ابن عباس أيضاً. وقال آخرون: هي على عمومها، غير أنها نسخت بقوله: {فان يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين} [الأنفال: 66] فليس للمسلمين أن يفروا من مِثلَيهم، وبه قال عطاء بن أبي رباح. وروى أبو طالب عن أحمد أنه سئل عن الفراء من الزحف، فقال: لا يفر رجل من رجلين؛ فان كانوا ثلاثة، فلا بأس. وقد نُقل نحو هذا عن ابن عباس. وقال محمد بن الحسن: إذا بلغ الجيش اثني عشر ألفاً، فليس لهم أن يفروا من عدوهم، وإن كثُر عددهم. ونقل نحو هذا عن مالك؛ ووجهه ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما هُزم قوم إذا بلغوا اثني عشر ألفاً من قلة» إذا صبروا وصدقوا.


قوله تعالى: {فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم} وقرأ ابن عامر، وأهل الكوفة إلا عاصماً {ولكِنِ اللهُ قتلهم} {ولكنِ اللهُ رمى} بتخفيف النون ورفع اسم الله فيهما. وسبب نزول هذا الكلام أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رجعوا عن بدر جعلوا يقولون: قَتَلْنا وقَتَلْنا، هذا معنى قول مجاهد.
فأما قوله تعالى: {وما رميت إذ رميت} ففي سبب نزوله ثلاثة أقوال.
أحدها: «أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي: ناولني كفاً من حصباء، فناوله فرمى به في وجوه القوم، فما بقي منهم أحد إلا وقعت في عينه حصاة»، وقيل: أخذ قبضة من التراب، فرمى بها، وقال: «شاهت الوجوه»؛ فما بقي مشرك إلا شُغل بعينه يعالج التراب الذي فيها، فنزلت: {وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى} وذلك يوم بدر؛ هذا قول الأكثرين. وقال ابن الأنباري: وتأويل شاهت: قبحت، يقال: شاه وجهه يشوه شَوهاً وشُوهة، ويقال: رجل أشوه، وامرأة شوهاء: إذا كانا قبيحين.
والثاني: أن أُبي بن خلف أقبل يوم أُحد إلى النبي صلى الله عليه وسلم يريده، فاعترض له رجال من المؤمنين، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فخلوا سبيله، وطعنه النبي صلى الله عليه وسلم بحرتبه، فسقط أُبيٌّ عن فرسه، ولم يخرج من طعنته دم، فأتاه أصحابه وهو يخور خوار الثور، فقالوا: إنما هو خدش، فقال: والذي نفسي بيده، لو كان الذي بي بأهل المجاز لماتوا أجمعون، فمات قبل أن يَقْدَم مكة؛ فنزلت هذه الآية، رواه سعيد بن المسيب عن أبيه.
والثالث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رمى يوم خيبر بسهم، فأقبل السهم يهوي حتى قتل ابن أبي الحَقيق وهو على فراشه، فنزلت هذه الآية، ذكره أبو سليمان الدمشقي في آخرين.
قوله تعالى: {ولكن الله قتلهم} اختلفوا في معنى إضافة قتلهم إليه على أربعة أقوال.
أحدها: أنه قتلهم بالملائكة الذين أرسلهم. والثاني: أنه أضاف القتل إليه لأنه تولَّى نصرهم. والثالث: لأنه ساقهم إلى المؤمنين وأمكنهم منهم. والرابع: لأنه ألقى الرعب في قلوبهم. وفي قوله: {وما رميت إذ رميت} ثلاثة أقوال.
أحدها: أن المعنى: وما ظفرت أنت ولا أصبت، ولكن الله اظفرك وأيدك، قاله أبو عبيدة.
والثاني: وما بلغ رميُك كفاً من تراب أو حصى أن تملأ عيون ذلك الجيش الكثير، إنما الله تولى ذلك، قاله الزجاج.
والثالث: وما رميت قلوبهم بالرعب إذ رميت وجوههم بالتراب، ذكره ابن الأنباري.
قوله تعالى: {وليُبليَ المؤمنين منه بلاءً حسناً} أي: لُينعم عليهم نعمة عظيمة بالنصر والأجر. {إن الله سميع} لدعائهم {عليم} بنيَّاتهم.
قوله تعالى: {ذلكم} قال الزجاج: موضعه رفع؛ والمعنى: الأمر ذلكم. وقال غيره: {ذلكم} إشارة إلى القتل والرمي والبلاء الحسن. {وأن الله} أي: واعلموا أن الله. والذي ذكرناه في فتح {أنَّ} في قوله: {وأنَّ للكافرين عذاب النار} هو مذكور في فتح {أنّ} هذه.
قوله تعالى: {مُوَهِّنٌ} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمر: {مُوَهِّنٌ} بفتح الواو وتشديد الهاء منونة {كيدَ} بالنصب. وقرأ ابن عامر، وحمزة، والكسائي، وأبو بكر عن عاصم: {موهنٌ} ساكنة الواو {كيدَ} بالنصب. وروى حفص عن عاصم: {موهنُ كيدِ} مضاف. والموهن: المضْعِف، والكيد: المكر.


قوله تعالى: {إن تستفتحوا} في سبب نزولها خمسة أقوال.
أحدها: أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم استنصروا الله وسألوه الفتح، فنزلت هذه الآية؛ وهذا المعنى مروي عن أبي بن كعب، وعطاء الخراساني.
والثاني: أن أبا جهل قال: اللهم أينا كان أحب إليك وأرضى عندك فانصره اليوم، فنزلت هذه الآية، قاله أبو صالح عن ابن عباس.
والثالث: أن المشركين أخذوا بأستار الكعبة قبل خروجهم إلى بدر، فقالوا: اللهم انصر أعلى الجندين وأكرم القبيلتين؛ فنزلت هذه الآية، قاله السدي.
والرابع: أن المشركين قالوا: اللهم إنا لا نعرف ما جاء به محمد، فافتح بيننا وبينه بالحق؛ فنزلت هذه الآية، قاله عكرمة.
والخامس: أنهم قالوا بمكة: {اللهم إن كان هذا هو الحقَّ من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء...} [الأنفال: 32] الآية فعذِّبوا يوم بدر، قاله ابن زيد. فخرج من هذه الأقوال أن في المخاطَبين بقوله: {إن تستفتحوا} قولان:
أحدهما: أنهم المؤمنون. والثاني: المشركون؛ وهو الأشهر.
وفي الاستفتاح قولان:
أحدهما: انه الاستنصار، قاله ابن عباس، والزجاج في آخرين. فان قلنا: إنهم المسلمون، كان المعنى: إن تستنصروا فقد جاءكم النصر بالملائكة؛ وإن قلنا: إنهم المشركون؛ احتمل وجهين. أحدهما: إن تستنصروا فقد جاء النصر عليكم. والثاني: إن تستنصروا لأحب الفريقين إلى الله، فقد جاء النصر لأحب الفريقين.
والثاني: أن الاستفتاح: طلب الحكم، والمعنى: إن تسألوا الحكم بينكم وبين المسلمين، فقد جاءكم الحكم؛ وإلى هذا المعنى ذهب عكرمة، ومجاهد، وقتادة. فأما قوله: {وإن تنتهوا فهو خير لكم} فهو خطاب للمشركين على قول الجماعة.
وفي معناه قولان:
أحدهما: إن تنتهوا عن قتال محمد صلى الله عليه وسلم والكفر، قاله أبو صالح عن ابن عباس.
والثاني: إن تنتهوا عن استفتاحكم، فهو خير لكم، لأنه كان عليهم، لا لهم، ذكره الماوردي.
وفي قوله: {وإن تعودوا نعد} قولان:
أحدهما: وإن تعودوا إلى القتال، نَعُدْ إلى هزيمتكم، قاله أبو صالح عن ابن عباس. والثاني: وإن تعودوا إلى الاستفتاح، نَعُدْ إلى الفتح لمحمد صلى الله عليه وسلم، قاله السدي.
قوله تعالى: {ولن تغني عنكم فئتكم شيئاً} أي: جماعتكم وإن كثرت، {وأن الله مع المؤمنين} بالعون والنصر. وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وحمزة، وأبو بكر عن عاصم: {وإِن الله} بكسر الألف. وقرأ نافع، وابن عامر، وحفص عن عاصم: {وأَن} بفتح الألف. فمن قرأ بكسر {أن} استأنف. قال الفراء: وهو أحب إليَّ من فتحها. ومن فتحها أراد: ولأن الله مع المؤمنين.
قوله تعالى: {ولا تولَّوا عنه} فيه قولان:
أحدهما: لا تولَّوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والثاني: لا تولَّوا عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم {وأنتم تسمعون} ما نزل من القرآن، روي القولان عن ابن عباس.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8